الاحتياطي السري: تعريفه، تكوينه، وعيوبه مع التركيز على موقف القانون من الاحتياطيات السرية

قد سبق فى التدوينة السابقة "الأحتياطيات" ذكرنا بأن الاحتياطيات السرية، بأنها تلك الاحتياطيات التي ليس لها أي وجود دفتری، والتي من شأنها إظهار حقوق المساهمين بالقوائم الختامية، بأقل من قيمتها الحقيقية، وأن الاحتياطي السري يتواجد: حيث يكون مبلغ صافي حقوق المساهمين الظاهر بقائمة المركز المالي، مذكورا بأقل من قيمته الفعلية.

الاحتياطي السري

الاحتياطي السري 

هذا وتعتبر مشكلة الاحتياطيات السرية مشكلة قديمة، ومن أهم مزايا ومبررات وجود الاحتياطي السرى، أنه يمثل عامل ضمان ومصدر قوة للمنشأة، حيث أن المركز المالي في حالة وجود احتياطيات سرية، يكون أفضل من حالة عدم وجوده، كما أنه يعطى لإدارة المنشأة، المصدر الذي يمكن أن تعتمد عليه في إجراء التوزيعات المعتادة، في السنوات التي تتحقق فيها أرباح غير كافية لإجراء مثل هذه التوزيعات، مما يحافظ على استقرار أسعار أسهم المنشأة في سوق الأوراق المالية، كما يمكنها من تدعيم مركزها الائتماني، وقدرتها على طلب تمويل من البنوك وبيوت التمويل.

عيوب الاحتياطي السري

وعلى الرغم هذه المزايا للاحتياطي السرى، إلا أن من أهم عيوبه
  1. أنه يتعارض مع قواعد حوكمة الشركات (Corporate Governance) .
  2. أنه يتعارض كذلك مع سياسة الإفصاح في المحاسبة، حيث أن قائمة المركز المالي التي تحتوي على احتياطيات سرية، إنما هي في الواقع لا تفصح عن المركز المالي السليم في تاريخ إعدادها، بما ينطوي عليه ذلك من احتمالات تضليل المطلعين عليها، والذين قد يتخذون بعض القرارات، مثل استثمار أموالهم في المنشأة، أو بيع استثماراتهم فيها، أو الموافقة على منح المنشأة تمويلا قصير الأجل أو طويل الأجل، وما إلى ذلك من قرارات، تعتمد على ما تظهره قائمة المركز المالي للمنشأة.
  3. أنه يعتبر أحد أدوات إدارات منشآت الأعمال، في القيام بأساليب ما يطلق عليه ( إدارة الربحية / Income Management )، والتي تمثل ظاهرة من أخطر الظواهر، التي تؤثر تأثيرا جوهريا على درجة مصداقية القوائم المالية، ومن ثم على كفاءة التعاملات في أسواق الأوراق المالية، وقد بدت هذه الظاهرة في الأفق غداة قيام إدارات الكثير من منشآت الأعمال، بمحاولة إظهار القوائم المالية على وضع مغاير - بشكل كبير أو محدود لحقيقة ما هو عليه الحال في الواقع العملي لتلك المنشات، رغبة منهم في تحقيق هدف أو أهداف معينة، بطرق غير مقبولة محاسبيا وقانونيا وأخلاقيا، من خلال التأثير على القياس المحاسبي لصافي الربح، وتمهيد مقادير الأرباح القابلة للتوزيع، بحيث تظهـر الأرباح المنشورة، على خلاف حقيقة أو ضاع المنشأة، إما بالزيادة أو بالنقصان.
  4. أنه قد يساء استعماله من جانب المديرين الذين يعلمون بوجوده، اما في تحقيق اختلاسات، أو إظهار أرباح أو نتيجة أعمال غير صادقة، أو التأثير على أسعار أسهم المنشأة في سوق الأوراق المالية، وذلك لتحقيق أهدافهم الشخصية، والتي قد لا تكون في مصلحة المنشأة.

تكوين الاحتياطي السري

وتنشأ الاحتياطيات السرية بكافة الأساليب التي من شأنها: تقليل قيم الأصول عن حقيقتها، أو تضخيم قيم الالتزامات للغير على خلاف الحقيقة. ويمكن تقليل قيم الأصول بوسائل متعددة، من بينها: ما يتم بسبب تطبيق بعض سياسات ومبادئ المحاسبة المتعارف عليها، ومن بينها ما يتم نتيجة تعمد من جانب الإدارة، ومن أهم هذه الوسائل:

  1. التمسك في تقويم الأصول الثابتة، بالتكلفة التاريخية، على الرغم من الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار.
  2. تطبيق سياسة التحفظ في تقويم الأصول المتداولة، حيث يتم تقويمها بالسعر الأقل، والذي غالبا ما يتمثل في التكلفة، وذلك على الرغم من أن أسعار السوق أعلى من ذلك. 
  3. تقييم الاستثمارات في المنشآت التابعة بالتكلفة، على الرغم من أن أسعارها في سوق الأوراق المالية. تزيد كثيراً عن التكلفة. 
  4. عدم اظهار شهرة المحل التي تتكون للمنشأة تلقائيا في الدفاتر، والعمل على سرعة إهلاك الشهرة، وغيرها من الأصول المعنوية، اتباعا لسياسة التحفظ .
  5. إظهار قيمة التكوين الرأسمالي الذاتي بالتكلفة، على الرغم من ارتفاع قيمته الحقيقية بكثير عن ذلك.
  6. عدم إظهار الأصول الثابتة - التي تحصل عليها المنشأة بدون مقابل - في الدفاتر. 
  7. المغالاة في حساب الاهلاك عن الأصول الثابتة، التي تستلزم طبيعتها ذلك. 
  8. اعتبار بعض النفقات الرأسمالية، على أنها نفقات إيرادية.
  9. المغالاة في قيم المخصصات المرتبطة بتقويم الأصول.
  10. عدم إظهار الأصول المستبعدة مؤقتاً ضمن الأصول بقائمة المركز المالي، واعتبار قيمتها بالكامل على أنها خسارة رأسمالية. 
  11. إخفاء جزء من المخزون السلعي، وعدم إدخاله ضمن المخزون السلعي في نهاية الفترة المالية. 
  12. عدم المعالجة السليمة للأصول الثابتة المستهلكة دفترياً، وإظهارها في قائمة المركز المالي بالقيمة التذكارية فقط.

أما زيادة قيمة الالتزامات للغير، فإن من أهم وسائلها:

  1. إظهار مطلوبات وهمية، أو تضخيم الالتزامات على غير حقيقتها.
  2. المغالاة في تكوين المخصصات المرتبطة بالتزامات.
  3. عدم تحويل مخصصات الالتزامات التي ثبت عدم الحاجة إليها، أو زيادتها عن المطلوب، إلى الاحتياطيات، وتركها في صورة مخصصات.
  4. تكوين المخصصات عن بعض الالتزامات الاحتمالية، التي كان يكتفي بمجرد تكوين احتياطيات عنها.

موقف القانون من الاحتياطيات السرية

 تكاد تجمع معظم القوانين، في شتى دول العالم على اتخاذ كافة التدابير، التي تتكفل بمنع كافة منشآت الأعمال، من إتباع أي أسلوب من شأنه تكوين احتياطيات سرية، بل وتقوم غالبية تلك القوانين، بتحميل مراجع الحسابات الخارجي، بمسئوليته تجاه التحقق من ذلك، واتخاذ ما يجب عليه القيام به، إذا ما اكتشف وجود احتياطيات سرية، أو تبين له اتجاه المنشأة للبدء في تكوينه، وذلك منعاً لمنشآت الأعمال، من القيام بذلك.

موقف مراجع الحسابات الخارجي تجاه الاحتياطي السري

إن موقف مراجع الحسابات الخارجي، بالنسبة للاحتياطي السري، يعتبر في حقيقة الأمر موقفاً دقيقاً للغاية، ذلك أن الاحتياطيات السرية، قد تكون في مصلحة المنشأة، شريطة عدم إساءة استخدامها من قبل المديرين، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، فإن وجود الاحتياطي السري، يتعارض مع سياسة الإفصاح الشفافية، بل ويترتب على وجوده، عدم تعبير قائمة المركز المالي، عن حقيقة المركز المالي للمنشأة، هذا فضلا عن أنه قد يساء استخدام الاحتياطيات السرية، من قبل الادارة فيما يتعارض مع مصالح المنشأة، وما من شك في أن هذه الطبيعة المزدوجة للاحتياطي السري، تجعل موقف مراجع الحسابات الخارجي حرجاً للغاية، 

وتقتضي منه ضرورة العمل على تحقيق التوازن، بين هذه الاعتبارات المتعارضة. ويتمثل موقف مراجع الحسابات الخارجي تجاه الاحتياطي السري، في:

1- بالنسبة للاحتياطي السري الذي يتكون تلقائياً، أو نتيجة لتطبيق قواعد وسياسات المحاسبة المتعارف عليها: فإن مراجع الحسابات الخارجـي لا يملك في مثل هذه الحالة، اتخاذ أي إجراء تجاهها، ولا ينصح المراجع بالافصاح عنها في تقريره، حيث أنها لا تمثل خروجاً عن قواعد ومعايير وسياسات المحاسبة المتعارف عليهـا، بل إن تطبيق هذه القواعد والمعايير هو الذي تسبب في نشأة مثل هذا الوضع.

2 بالنسبة للاحتياطيات السرية المتعمدة المكونة من سنوات سابقـة : فإن مركز مراجع الحسابات الخارجي، بالنسبة لها يكون دقيقا للغاية، ويجب عليه أن يراعي الظروف الخاصة بالمنشأة، بمعنى أنـه إذا ما اقتنع المراجع بأن وجود مثل هذه الاحتياطيات في صالح المنشأة، واقتنع بأن إدارة المنشأة تستعمل هذه الاحتياطيات، بأمانة وفي صالح المنشأة بشكل عام، فليس عليه سوى أن يقوم بمراجعة حسن استخدام إدارة المنشأة لهذه الاحتياطيات. ويجب أن نلاحظ هنا، أن موقف المراجع بالنسبة لهذه الاحتياطيات، يختلف باختلاف طريقة تكوينها، بمعنى أنه إذا اتضح له أن هناك مغالاة في التزامات المنشأة، فإنه من السهل في هذه الحالة أن تستخدم مثل هذه الفروق في تغطية أية خسائر أو اختلاسات في الأصول النقدية وشبه النقدية التي تقابل تلك الالتزامات، وهنا يتعين على المراجع أن يراقب هذه الفروق مراجعة دقيقة، وأن يتأكد من سلامة الطريقة التي استخدمت فيها. أما إذا ما تبين للمراجع أن الاحتياطي السري قد تم تكوينه عن طريق تخفيض قيمة الأصول، فإن مثل هذه الحالة لن تعطي الفرصة للإدارة للتلاعب أو سوء الاستعمال، ذلك أن مثل هذا التخفيض في قيمة الأصول، إنما يتم من خلال المغالاة في نسب الإهلاك، أو تحميل النفقات الرأسمالية على حسابات النتيجة، ولا يمكن للإدارة استعمال هذه الاحتياطيات، إلا من خلال إعادة قيمتها إلى حسابات الأصول مرة أخرى، الأمر الذي ستكشف عنه حتماً مراجعة الإضافات إلى تلك الأصول.

وعلى الرغم من كل ذلك، فإن محور الارتكاز هنا يتمثل في مدى اقتناع مراجع الحسابات الخارجي، بنزاهة الإدارة، وحسن استخدامها لهذه الاحتياطيات، بحيث إذا ما أثار تكوين هذه الاحتياطيات أو استخدامها شكوك المراجع، أصبح واجباً عليه ضرورة القيام بتضمين تقريرها لأية معلومات يراها ضرورية لإظهار الحقائق للمساهمين. 

3- بالنسبة للاحتياطيات السرية التي تتعمد إدارة المنشـأة تكوينها في نفس السـنة محل المراجعة : فإن من صميم واجب مراجع الحسابات الخارجي: ضرورة اتخاذ كافة الوسائل والتدابير، الكفيلة بمنع تكوين مثل هذه الاحتياطيات، وأن يعيد تصحيح الأوضاع، بحيث يفصح عن آية احتياطيات سرية - فإذا لم تقتنع الإدارة برأيه، أصبح واجبا حتميا عليه أن يكشف في تقريره للمساهمين عن كل هذه الحقائق، والمخاطر المتعلقة بها؛ كما يجب على المراجع الخارجي الاهتمام بفحص المصروفات ذات القيمة المالية الكبيرة، للتأكد من عدم تحميل حسابات النتيجة، بنفقات رأسمالية؛ كذلك يجب على مراجع الحسابات الخارجي ضرورة التأكد من صحة تقويم المخزون السلعي، وثبات الطريقة المتبعة من سنة لأخرى؛ وأخيرا، فإنه يجب على مراجع الحسابات الخارجي ضرورة فحص المخصصات المكونة لمقابلة النقص في قيم الأصول، أو لمقابلة الزيادة في الالتزامات والخسائر، والتأكد من عدم المغالاة في قيمتها.

فإذا تبين للمراجع الخارجي، أن المنشأة محل المراجعة لديها بند أو أكثر بهم مخالفات محاسبية، فحينئذ يصبح واجباً عليه القيام بتنبيه الإدارة، الى ضرورة تصحيح الوضع: فاذا لم تعمل الإدارة على تصحيح الوضع، وكانت المخالفات القائمة ليست ذات تأثير جوهري على عدالة القوائم المالية للمنشأة، يصبح واجبا عليه حينئذ الإشارة إلى ذلك في تقريره، في صورة تحفظ ( فيصدر تقريرا مفيدا )؛ فإذا كانت المخالفات القائمة ذات تأثير جوهري على عدالة القوائم المالية للمنشأة، فيجب عليه إصدار تقرير سلبي أو عكسي، أما إذا تدهورت الأمور لحد أن الوضع يمثل غشاً وتلاعباً؛ فحينئذ يجب عليه إصدار تقرير خالي من الرأي ( أي يمتنع عن إبداء الرأى).

مصدر التدوينة : كتاب قضايا معاصرة فى المراجعة و حوكمة الشركات تأليف كلاً من د/ عبد الله عبد السلام , د/ خالد عبد المنعم (كلية التجارة - جامعة القاهرة) .
تعليقات "أخبرنا برأيك في التعليقات"👇